فصل: مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نزلت الآية الأولى في سويد ابن الحارث ورفاعة بن سويد بن التابوت اليهودي، لأنهما أظهرا الإسلام ووالاهما بعض المسلمين مع علمهم أنهما يبطنان الكفر ويظهران الإسلام استهزاء بهم، فحذرهم اللّه من موالاتهم، والثانية في اليهود الّذين يتضاحكون عند سماع الأذان، ورجل نصراني في المدينة كان إذا سمع الشّهادتين يقول حرق اللّه الكاذب، فطارت عليه شرارة ذات ليلة من يد خادمه وهو نائم فأحرقته وأهله في بيته.
قال تعالى يا سيد الرّسل {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا} أي هل تجدون ما ينقم به علينا ويتكبر عليه من الأعمال والأقوال {إِلَّا} شيئا واحدا تزعمونه موجبا للنقمة وهو {أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} على الأنبياء السّالفين، وهذا مما لا ينكر عليه ولا يوجب الانتقام على حد قوله:
ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم ** ينسى بهم أهليه والولدا

أي أن هذا ليس بعيب مما يستوجب الذم لينتقم من فاعله وإنما هو أمر جليل وفعل كريم يستوجب المدح والتعظيم، ولهذا وصمهم اللّه بقوله عز قوله: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ} (59) خارجون عن منهج الصّواب متجاوزون الحد في الاعتدال، وذلك أنهم سألوا حضرة الرّسول عمن يؤمن به من الرّسل فعد من آدم إلى عيسى، فقالوا واللّه لا نؤمن بمن يؤمن بعيسى.
وإنما قال أكثركم لعلمه تعالى أنه يؤمن أناس منهم {قُلْ} يا سيد الرّسل لهؤلاء {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ} الذي نقمتم به علينا وأنكرتم نبوّته {مَثُوبَةً} أي عقوبة وقد وضعت المثوبة موضع العقوبة تهكما وتبكيا كما توضع البشارة موضع النّذارة قال تعالى فبشرهم بعذاب اليم الآية 8 من سورة الجاثية وعلى طريقة قول القائل:
تحية بينكم ضرب وجيع

{عِنْدَ اللَّهِ} هو {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ} يعني أنتم أيها اليهود أشر النّاس إذ مسخ اللّه أسلافكم قردة وخنازير بسبب عدم طاعتهم أوامر اللّه ورسوله، إذ نهاهم عن صيد السّمك يوم السّبت فاحتالوا وحفروا حياضا قريبة من السّاحل وشرعوا منها ساقية، فصارت الأسماك تدخل إلى الحياض يوم السّبت حتى إذا امتلأت سدوها من جهة البحر وتركوا الأسماك فيها حتى إذا دخل يوم الأحد أخذوها من الأحواض وأكلوها، فمسخهم اللّه تعالى عقوبة لاحتيالهم عليه {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} منهم أيضا وهو العجل الذي صاغه لهم السّامري وقال لهم هذا الحكم الذي ذهب اليه موسى قد نسيه هنا وعكفوا على عبادته من دون اللّه الذي أنجاهم وأغرق أعداءهم على مرأى منهم، ومنحهم النّعم العديدة، راجع الآية 88 من سورة طه المارة في ج 1 والآية 156 فما بعدها من الأعراف أيضا {أُولئِكَ} الّذين فعل بهم المسخ هم {شَرٌّ مَكانًا} من غيرهم عند اللّه {وَأَضَلُّ} من سواهم {عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} (60) الطريق السّوي المستقيم التائهين في وسطه.
ولا يقال هنا إن الموصوفين بالدين الحق محكوم عليهم بالشر، لأن الكلام خرج على حسب اعتقادهم لأنهم قبحهم اللّه حكموا بأن دين الإسلام بسبب اعتقاده بنبوة غيره، عيسى عليه السلام الذي هو من أولي العزم شر، ولم يعلموا أن عدم الإيمان به يستوجب عدم الإيمان بغيره من الأنبياء، لأن اليهود أيضا ينكرون نبوة غيره، كما أن النصارى كذلك، وكلّ ذلك كفر وشر، وهذا أشر بكثير من كلّ شر فيقال لهم إذا سلمنا جدلا أن الأمر كما تقولون فإن الأشربة كلها متمحضة بمن لعنه اللّه وغضب عليه إلخ، فهؤلاء هم أشر مما تقولون على زعمكم الباطل لو فرض صحته فكيف وهو كذب وافتراء.
ثم التفت إلى فضح حال المنافقين الموالين لليهود الأشرار فقال عز قوله: {وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا} عليكم حين مجيئهم متقمصين {بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا} متلبسين {بِهِ} أيضا كما دخلوا لم يعلق بقلوبهم شيء من الإيمان {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ} (61) منه وما يظهرون.

.مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

{وَتَرى كَثِيرًا مِنْهُمْ} يا حبيبي {يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} من الكذب والظّلم والتهور والحيف وسائر أنواع الإثم واصناف العداء {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} الرشوة في الأحكام وكلّ ما لا يحلّ تناوله يسارعون إليه واللّه انهم {لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} (62) من الجنايات والرّذائل {لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} أي هلا نهوهم عن ذلك وهو واجب عليهم منعهم عن تناوله وتعاطيه ولكنهم لم يفعلوا أيضا واللّه انهم {لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ} (63) بسبب سكوتهم عن الحق وكتمهم إياه وإقرارهم البطل وعدم نهيهم عما نهى اللّه عنه بكتابهم.
قال ابن عباس ما في القرآن آية أشد توبيخا لعلماء اليهود من هذه الآية قال الضّحاك لا آية أخوف عندي منها يريد أن العالم إذا لم ينته دينه النّاس عن المعاصي يكون مثل هؤلاء يضلون أنفسهم وغيرهم.
قال تعالى: {وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} عن الإنفاق على عباده أي أنه يبخل عليهم {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} لأعناقهم وهذه كلمة دعاء عليهم أي غلت أيديهم بالدنيا بالبخل ولذلك تراهم أبخل النّاس وفي الآخرة بالأغلال الحديدية والطّرد من رحمة اللّه الدّال عليه قوله: {وَلُعِنُوا بِما قالُوا} على اللّه الجواد الكريم الواسع العطاء، وهذا قريب من قولهم {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ} في الآية 181 من آل عمران المارة قاتلهم اللّه وأخزاهم.
قال ابن عباس ان اللّه تعالى بسط على اليهود حتى صاروا أكثر النّاس أموالا فلمّا لم يؤمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ضيّق عليهم إذ ذاك (ولما أصروا على ما هم عليه بسط اللّه عليهم الدّنيا فتراهم أكثر النّاس أموالا حتى الآن) فقال فنخاص الخبيث لما سمع كلام ابن عباس أرى يد اللّه مغلولة أي ينسب إليه البخل بسبب ذلك، تعالى اللّه علوا كبيرا عنه وتنزه، ولم ينكر عليه أحد من اليهود بل رضوا بمقالته القبيحة هذه، فكأنهم قالوها كلهم، فأنزل اللّه هذه الآية ردا عليهم، أي قل لهم يا سيد الرّسل ليس الأمر كما تتهمون الحضرة الإلهية {بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ} كرما منه لأحبابه ورأفة وجودا على جميع خلقه بما فيهم أعداؤه ينزل لكل منهم رزقه بنسبته وبمقتضى ما تراه حكمته {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ} على من يشاء ولا يصح هنا قول من قال إن معنى مغلولة مكفوفة عن العذاب إلّا بقدر تحلة القسم لمنافاته سياق الآية ولعدم ذكر ما يتعلق بالعذاب المشار إليه في قوله تعالى: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} الآية 80 من سورة البقرة المارة أي بقدر مدة عبادتهم العجل، وهذا القول شبيه بقولهم هذا وكلاهما لا أصل له {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ} من اليهود ومن اقتفى أثرهم أو والاهم وسار على طريقتهم {ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وهو القرآن الذي كذبوا به {طُغْيانًا وَكُفْرًا} لإقامتهم على البغي وتماديهم في الغي، لأنهم كلما أنزلت آية كفروا بها فيزدادون كفرا على كفرهم، وقد اغريناهم بعضهم على بعض {وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ} بسبب اختلافهم بأمر الدّين، لأنهم فرق كالنصارى، منهم قدرية، ومنهم جبرية، ومنهم مشبهة، وكذلك مع الأسف افترق المسلمون بعد عصر الخلفاء الرّاشدين فرقا كثيرة اسماعيلية ونصيرية ودرزية وشيعة ورافضة ومغفلة ويزيدية وغيرهم خلافا لما أمرهم اللّه راجع الآية 32 من سورة الرّوم في ج 2 وما ترشدانك إليه فنسأل اللّه أن يجمع شملهم ويوحد كلمتهم على الحق، وهذا التفرق مصداقا لقوله صلّى اللّه عليه وسلم افترقت الأمم إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النّار إلّا ما انا عليه وأصحابي.
وقد أشرنا إلى هذا في الآية 19 من سورة الحج المارة فراجعها.
ثم وصف اللّه تعالى أولئك اليهود بقوله عز قوله: {كُلَّما أَوْقَدُوا نارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} أي انهم كلما حاربوا غلبوا، وهكذا إلى الأبد إن شاء اللّه لم تقم لهم قائمة، كيف وقد اخبر اللّه عنهم بقوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} الآية 62 من البقرة المارة وهي مكررة، فتراهم كلما فسدوا بعث اللّه عليهم من يهلكهم، فقد فسدوا قبلا فبعث اللّه عليهم بختنصر البابلي، ثم رجعوا إلى اللّه، حتى إذا كثروا ونعمرا أفسدوا ثانيا، فبعث اللّه عليهم طيطوس الرّومي، ثم رجعوا إلى اللّه حتى أنستهم نعمته ذكره أفسدوا أيضا، فسلّط اللّه عليهم المجوس أي الفرس، ثم أفسدوا وطغوا وبغوا وتعدوا واعتدوا فسلط اللّه عليهم المؤمنين، ثم أفسدوا فسلط اللّه عليهم هتلر الألماني فشتتهم وأوقع بهم البلاء، ولم يزالوا إنشاء اللّه تحت الرّق والعسف إلى يوم القيمة كيف وقد قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ} الآية 167 من سورة الأعراف ج 1 فراجعها.
وإن هذا الزعيم الألماني بعد أن اطلع على سوء نيتهم وعدم رعايتهم المعروف لبلاده مع أنهم ساكنون فيها أباد كثيرا منهم ونفى وأجلى وسلب وقتل وشرد وشدد عليهم، حتى إنهم صاروا يهاجرون مع الأسف إلى بلاد العرب إذ لا يحملهم أحد غيرهم لصفاء قلوبهم وتمسكهم بدينهم الموصي بمراعاة أهل الكتاب واحترامهم وصايا اللّه ورسوله بهم القائل، لهم مالنا وعليهم ما علينا.
ولكنهم الآن ليسوا بأهل كتاب ولا يستحقون هذه المعاملة الحسنة لأنهم يتربصون بالمؤمنين الدّوائر، وقد ساعدهم الإنكليز والأمير كان ففتحوا لهم طريق فلسطين وأباحوا لهم شراء الأملاك فيها فصاروا يشترون من الفقراء أراضيهم وكرومهم وحتى مساكنهم بأضعاف قيمتها حتى يطمعون الآخرين والأغنياء أيضا، لا بارك اللّه فيمن يملكهم أو يساعدهم أن يمدهم، لأنهم جرثومة فساد لا يطأون أرضا إلّا أفسدوها، وقد أغروا شبان فلسطين حتى استردوا ما أخذوه من ثمن أملاكهم بواسطة عواهرهم وملاهيهم التي فتحوها لهم وخز عبلاتهم التي من طرق الفجور، وسيلقون عليهم الويل والثبور بذلك، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه القائل: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا} بالمكر والخديعة والغدر والغش والإغراء والحيل، وهذا ديدنهم إلى الآن وإلى الآن وإلى أن يهلكهم اللّه {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (64) كافة من كلّ الأمم ومن لا يحبه اللّه يبغضه، ومن يبغضه اللّه يا ويله.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ} يهودهم ونصاراهم لعموم اللّفظ {آمَنُوا} بمحمد وكتابه {وَاتَّقَوْا} اللّه وتركوا ما هم عليه وتمسكوا بدين محمد النّاسخ لدينهم وغيره من الأديان {لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ} التي عملوها قبل، لأن الإسلام يجبّ ما قبله ويمحو كلّ ذنب ويمحق وزره {وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (65) جزاء إيمانهم.
واعلم أن هذه الآية والتي بعدها على حد قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} الآية 96 من الأعراف ج 1 فراجعها {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} وعملوا بما فيهما ونفذوا أحكامهما {وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ}
على أشعيا وأرميا وداود وغيرهم {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ} من ثمار الأشجار المظللة عليهم كالنخل والعنب والزيتون والرّمان وغيرهما {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} من الزروع والحبوب والخضر وغيرها وذلك بإنزال الغيث وجعل البركة فيه توسعة لأرزاقهم، لأن من مقتضى الإيمان بتلك الكتب ومن أنزلت عليهم الإيمان بالقرآن، ومن أنزل عليه لأنها تأمر بذلك.
واعلموا أيها النّاس أن أهل الكتابين ليسوا سواء {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ} غير مغالية ولا معاندة ولا مخاصمة قد تذعن للحق وتسلم {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ} على العكس فقد {ساءَ ما يَعْمَلُونَ} (66) من كتم الحق وإظهار الباطل والعناد والغلو والتكذيب والافتراء والبهتان قبلا وحالا ومستقبلا، إذ لا يرجى منهم الخير.
تفيد هذه الآية أن طاعة اللّه ورسوله والعمل بما جاء عنهما سبب لسعة الرّزق بدلالة آية الأعراف الآنفة الذكر في هذه الآية المفسرة وآية نوح عليه السّلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا} الآية 11 فما بعدها وقوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقًا} الآية 15 من سورة الجن في ج 2، هذا ولا يقال هنا إن كثيرا من المطيعين فقراء، لأنالآنعلم حقيقة طاعتهم ولا صحة فقرهم فكم من فقير بلباس غني وغني بلباس فقير، وقد اتضح لنا أن كثيرا من هذين الصنفين على غير ظاهرهما، وإذا كان يوجد شيء من ذلك، فاعلم أن اللّه تعالى يعطي كلّا بحسبه ومقتضى حكمته، فكم من غني أفسده غناه، وفقير أكفره فقره، ولو اطلعتم على الغيب أيها النّاس لاخترتم الواقع لأنكم لا تعلمون ما هو مقدر عليكم من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلّا اللّه، فرب غني يتمنى أن يكون أفقر النّاس، ولا يكون بما هو عليه من المصائب، وكم من فقير لا يصلحه إلّا الفقر فاحمدوا اللّه واسألوه العافية واشكروه على ما هداكم اليه وأقامكم فيه ومنّ به عليكم تنجحوا وتفوزوا، وقد جاء عنه صلّى اللّه عليه وسلم: إذا أصبحت معافى في بدنك آمنا في سربك عندك قوت يومك فعلى الدّنيا العفا.